جزيرة زنجبار.. الماء والخضرة والحنين إلى الماضي

جزيرة زنجبار.. الماء والخضرة والحنين إلى الماضي

تُعدُّ زنجبار الجزيرة الرئيسة ضمن أرخبيل يضم مجموعة كبيرة من الجزر في المحيط الهندي، وهي منطقة تابعة لجمهورية تنزانيا تتمتع بسلطة ذاتية واسعة، وتحبس أنفاس زائريها بمياهها البلورية ورمالها الناعمة، ومنظر غروب الشمس الساحر عند الشاطئ.

وللجزيرة تاريخ مضطرب للغاية، فقد خضعت على مر العصور لتأثير العرب والفرس والبريطانيين، وكانت فيما مضى طريقًا تجاريًا مزدحمًا لتجارة العاج والرقيق، قبل أن تُعرف بعد ذلك للعالم بوصفها مركزًا مهمًا لتجارة التوابل.

أما اليوم، فقد أصبحت زنجبار وجهة يقصدها السياح من أجل طبيعتها الخلابة وإرثها الثقافي الغني. وبفضل مناخها المعتدل الدافئ طوال العام، تستقبل الجزيرة زائريها بسحر نباتاتها الوفيرة، حيث تتكاثر بساتين النخيل على مد البصر، كما تمتد الرمال على سواحلها لتُعانق المحيط، الغني في قاعه بالشعب المرجانية وبمختلف أنواع السمك؛ مما يجعل من المكان جنة لمحبي الغوص والرياضات المائية.

قلبٌ نابض من الحجارة

وتُعد المدينة الحجرية القلب العتيق لزنجبار، حيث تتميَّز بمبانٍ مشيَّدة من الصخور المرجانية، وبمتاهة من الممرات المتشابكة، وبأبوابها المزينة بطابعها الخاص. كما تتضمن المدينة الأسواق الشعبية التي تملؤها رائحة التوابل، وتجد فيها المساجد على مقربة من الكنائس المسيحية.

وقد كانت المدينة القديمة فيما مضى قرية للصيادين، كما كانت عاصمة لسلطنة عمان سابقًا في ذروة تجارة التوابل. وتحتفط المدينة بملامح من التأثير المعماري المغربي والعربي والفارسي والآسيوي والأفريقي البانتوي، وقد تم تصنيفها من قبل اليونيسكو موقعًا للتراث العالمي عام 2000م.

ومن خلال جولة في المدينة الحجرية، ستلفت نظرك معالم سياحية جذابة، مثل حصن العرب، الذي بُني من قبل العمانيين للدفاع عن أنفسهم ضد هجمات البرتغاليين. وهناك أيضًا متنزه (فوروداني)، الذي يتضمن سوقًا تجد فيها المأكولات والمنتجات المحلية. ولمعرفة المزيد عن الثقافة السواحيلية والزنجبارية، يمكنك زيارة متحف بيت العجائب، الذي يوفر أيضًا إطلالة جميلة على المدينة من الأعلى.

غابة المطر

وتضم زنجبار حديقة الجوزاني، وهي إحدى الأجزاء القليلة المتبقية من غابة مطيرة كانت تغطي الجزيرة قبل آلاف السنين، وبها أعداد هائلة من أشجار الماهوغني الأحمر والنخيل الزيتية، وكذلك نبات باندانو راباينس، الذي توفر جذوره الدعم للنباتات الكبيرة وتزود الغابة بالأكسجين.

وتُعد هذه الغابة موطنًا لفصيلة من القرود تُدعى الكولبس الأحمر، يتميَّز أفرادها بمعطف أحمر غامق اللون وشريط أسود على مدار الأكتاف، وجانب سفلي أبيض، وذيل طويل يساعد على تحقيق التوازن. ويختلف الكولبس الأحمر عن غيره من الفصائل الأخرى بافتقاده للإبهام، الذي تعوضه أربع أصابع طويلة تشكل خطافًا قويًا يمكنه من الإمساك بفروع الأشجار والانتقال بينها بسهولة.

وفي المناطق الريفية، يمكنك زيارة مزارع التوابل والفاكهة، حيث يمكنك استنشاق الروائح الطازجة من الفانيلا والهيل والقرفة والكركم والزنجبيل والفلفل وجوزة الطيب والكاري والليمون والحناء والقرنفل، بالإضافة إلى المالانجي لانجي المستخدم في صناعة العطور، كما ستجد أيضًا القطن والكاكاو والقهوة.

جمال الطبيعة المتنوعة

وبينما يكمُن جمال زنجبار بوجه عام في زرقة مياهها وبياض شواطئها، تتميَّز كل بلدة شاطئية فيها عن غيرها، فبلدة (ميشامفي) في الجنوب الشرقي من الجزيرة تأخذ الأنفاس بفضل رمالها البيضاء الناصعة التي تلتقي بمياه خليج تشواكا النقية. أما في الشمال الشرقي، فتتواجد بلدة (بونغوي)، التي تأخذك شواطئها المليئة بالحجارة وأصداف اللؤلؤ وأحفوريات المرجان العتيقة إلى أجواء الطبيعة والبرية. وتستضيف بلدة (كيندوا) في الشمال الاحتفال الشهري باكتمال القمر، الذي يُبدع فيه الفنانون الأفارقة، كما يرقص فيه المواطنون المحليون الشباب تحت أنظار السياح من جميع أنحاء العالم.

وانطلاقًا من الجزيرة الرئيسة، يمكن الوصول إلى جزر أخرى عبر القارب، مثل جزيرة (بريزون)، التي كان الرقيق يُنفون إليها قديمًا، فيما تُعرف اليوم بشواطئها البيضاء التي تنبعث منها رائحة المرجان العبقة، وبضمّها لفصائل هائلة من الطيور والسلاحف العملاقة. وهناك أيضًا جزيرة (ناكوبندا) بشكلها الجغرافي المميز ورمالها النظيفة، وجزيرة (منيمبا) المرجانية، حيث يمكن للزوار ممارسة رياضة الغطس بأنواعها المختلفة، والاستمتاع بالتنوع المذهل للفصائل البحرية، التي تشمل الدولفين والسلاحف البحرية العملاقة.

"هاكونا ماتاتا"

وخلال زيارته للجزيرة، لا بُد للزائر من التواصل مع السكان المحليين، الذين يتمتعون بحياة مستقرة ومُطمئنة، تعتمد على أسلوب الحياة السواحيلي المعروف بـ"هاكونا ماتاتا"؛ أي "تناسَ مشكلات الماضي، وركِّز على المستقبل بتفاؤل".

إنها جزيرةٌ تضمن للسائح الشعور بـالحنين إلى الماضي، الذي كثيرًا ما يرافق زائري أفريقيا للمرة الأولى؛ وهو شعور يرسخ في الذاكرة مع كل ابتسامة مرحبة، ومع قرع الطبول، وأثناء تناول عشاء بحري مذهل تحت ضوء القمر المكتمل والنجوم اللامعة.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge