9 آلاف زائر يحتفون باللغة العربية عبر فعاليات متنوعة..
"إثراء"يسلِّط الضوء على فن المقامات لإحياء كنوز لغة الضاد
احتفى مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، مؤخرًا، باليوم العالمي للغة العربية، الذي يصادف الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، حيث وقع الاختيار هذه المرة على فن المقامات، ليأتي الاحتفاء به في سياق تعزيز الأدب العربي الأصيل، وتجسيد تاريخ اللغة، عبر تسليط الضوء على كنوز بديع الزمان الهمذاني والحريري، اللَّذين شكَّلا انعكاسًا جليًا لفن المقامات، بما يمثله من علامة فارقة في النثر العربي.
وقد بلغ عدد زوَّار فعاليات (إثراء) ليوم اللغة العربية تسعة آلاف زائر، حيث اغتنم كثير منهم الفرصة للتعرف على فن المقامات عن كثب، من خلال جلسة حوارية بعنوان (مقامات الحريري)، قدَّمها الروائي المصري، الدكتور محمد المنسي قنديل، ومحاضرة بعنوان (مقامات بديع الزمان الهمذاني)، قدّمها الأديب السعودي، عُدي الحربش.
وقد حرص الزوَّار على الاستمتاع بالفعاليات المتنوعة والاستفادة منها في تعزيز مواهب أطفالهم وقدراتهم في القراءة، كما لاقى البرنامج اهتمامًا لافتًا من قبل غير الناطقين باللغة العربية، حيث أظهر كثير منهم تعطشًا واضحًا لاستكشاف أسرار العربية وكنوزها.
مقامات الحريري
وبحلَّة أدبية ذات طابع ارتجالي، سرد الروائي والكاتب المصري، الدكتور محمد المنسي قنديل، تاريخ مقامات الحريري في جلسة حوارية أدارها أمين مكتبة إثراء، طارق الخواجي.
ووصف قنديل هذه المقامات بأنها ثرية وغنية بالظرافة، وكأن الحريري يدمج فيها بين شخصيات عدة في شخصية واحدة. وأضاف: "مقامات الحريري جاءت بعد أن أرسى بديع الزمان الهمذاني أُسس هذا الفن، فأكمل الحريري على منواله".
وأضاف قائلًا: "يتميَّز الحريري بأن لديه ذاكرة فوتوغرافية، ساعدته في إنجاز مهمته التي تمحورت حول جمع الأخبار وتقديمها للوالي أو الحاكم".
كما تتبَّع قنديل مسارات حياة الحريري أثناء استعراضه لأنواع مقاماته التي بلغت 50 مقامة، مبينًا أن 11 منها لها أصول موجودة الآن في فرنسا وإنجلترا وألمانيا، في الوقت الذي يخلو العالم العربي من تلك المقامات.
وأكَّد قنديل أن هذه المقامات تمثِّل ثروة لغوية، وأنها بمثابة الوجه الآخر للشعر، مشيرًا إلى الرسومات التي جسَّدت كل مقامة، حيث أبدعها رجل من رجال المقامات يُدعى بـالواسطي، وهي تتضمن إيضاحًا تفصيليًا لأبطال المقامات.
وقد تخلَّل محاضرة قنديل توقيع كتابه (وقائع عربية)، الذي يتألف من 300 صفحة تتضمن حكايات من فترة ما قبل ظهور الإسلام ومن مختلف العصور.
مقامات بديع الزمان
وفي السياق نفسه، رحَّب مطوِّر البرامج في (إثراء)، عبدالله الحواس، بالأديب السعودي عُدي الحربش، الذي بذل جهدًا واضحًا في القراءة عن المقامات، والبحث والتنقيب في أسرارها، ونقلها بطريقة عصرية تناسب النهضة الأدبية الحالية.
واستعرض الحربش خلال محاضرته حول (مقامات بديع الزمان الهمذاني) تاريخ هذه المقامات وأنواعها، موضحًا أن مقامات الهمذاني تصل إلى 400 مقامة، لم تصلنا منها إلا 53 مقامة. وقال في هذا الصدد: "فن المقامات للهمذاني والحريري هو فنٌ متوارث ننهل منه أسرار اللغة ومحاسنها وجمالياتها".
وأوضح الحربش أن فن المقامات يكتنف ضمنه أسلوبًا خاصًا ويُخفي وراءه فلسفة عميقة، مشيرًا إلى الصعوبة البالغة التي تصطدم بها المحاولات الحديثة لكتابة المقامات وسردها، ومبينًا في الوقت نفسه أن هذا الأمر لا ينبغي له أن يقيِّد حريتنا في التنقيب عن أسرار مقامات القدماء وتحليلها، كالحريري وبديع الزمان الهمذاني.
إلى جانب ذلك، تناولت المحاضرة مزايا مقامات الهمذاني وأسلوبها الفكاهي، حيث أكد الحربش أهمية العودة إلى تاريخ هذه المقامات، لما تتسم به من ثراء لغوي يجعل منها أعجوبة لغوية، وضرورة أن تحتوي مناهج اللغة العربية على نصوص للمعلَّقات والمقامات، إلى جانب نماذج من الشعر والنثر القديمين؛ لما لذلك من أثر في صقل الذائقة لتلمُّس مكامن الجمال في اللغة العربية.
حلاوة الفصحى
من جانب آخر، تجمهر زوَّار (إثراء) حول الفعاليات المتنوعة التي استضافها المركز، ومنها فعالية (وضع النقاط على الحروف)، وتحديات (النطق بالفصحى)، حيث حاول فيها المشاركون نقل مشاهد من المسلسلات الخليجية ورسوم الكرتون من العامية إلى الفصحى.
وعلى مقربة من هذه الفعاليات، نجحت شخصيات من مقامات الحريري وأخرى من مقامات بديع الزمان الهمذاني في خطف أنظار الحضور، خلال عرض حيّ سعى إلى نقل واقع هذه الشخصيات في ذلك الزمان، وإظهار خفتها وظرافتها، وذلك للإسهام في تجسيد فن المقامات الأصيل في صورة بصرية محسوسة.
كما استضافت مكتبة (إثراء) جانبًا من هذه الفعاليات، ومنها فعالية سرد القصص والحكايات للأطفال، فيما ازدانت جدران الساحة الداخلية لـلمركز بمخطوطات حول أنواع المقامات؛ للتعريف بنمطها الكتابي وأصول تلك المقامات بطريقة تستهوي مختلف الفئات العمرية.
الأطفال وروح العربية
وقد اجتذبت أنشطة (إثراء) اللغوية كثيرًا من الأُسر، التي حرصت على اصطحاب أبنائها إلى المركز، ومنهم الدكتور علي الزهراني، حيث أمَّ المركز من مدينة الأحساء، ليشارك في الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية إلى جانب ابنته أريام ذات العشرة أعوام.
وأوضح الزهراني أنه يبذل قصارى جهده لترسيخ الصورة الجميلة للغة العربية في ذهن ابنته، التي وُلدت وعاشت في المملكة المتحدة خلال فترة ابتعاث والدها، وأنه فور عودته وأسرته إلى المملكة كان دائم البحث عن مقاصد تجسِّد روح اللغة العربية وعراقتها بطريقة مشوقة، ليجد ضالته في (إثراء). كما أشار إلى أن أريام وجدت هذه التجربة مبهجة، حيث سمحت لها بالتعرُّف على ملامح الجمال في اللغة العربية، والاطلاع على آدابها عبر قراءة العبارات التي زيَّنت أركان (إثراء) حول فن المقامات.