بقدر ما كانت أرامكو السعودية رائدة في إمداد العالم بالطاقة على مدار عقود طويلة من الزمن، وتأسيسًا على اهتمامها الدائم الذي توليه للمحافظة على البيئة، فإنها تؤمن بأهمية تأمين مستقبل للطاقة يتسم بانخفاض الانبعاثات الكربونية. ومن هنا يأتي إعدادها العدة للمستقبل من خلال تبنيها لاقتصاد الكربون الدائري، وعبر كونها جزءًا من الحل لمواكبة التحول العالمي في قطاع الطاقة.
غرس بذور المستقبل
وقد جاء التعبير عن الاهتمام بالبيئة من أعلى مستويات القيادة في الدولة، وذلك حين أطلق صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود، حفظه الله، مبادرتَي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر» هذا العام، مشيرًا إلى أن المملكة تدرك تمامًا، من موقعها كدولة رائدة عالميًا في مجال إنتاج النفط، جانبها من المسؤولية في تعزيز جهود مكافحة التغيُّر المناخي.
وإسهامًا من أرامكو السعودية في ذلك، فقد زرعت حتى الآن مليون شتلة محلية في جميع أنحاء المملكة، في حين تخطط لغرس أكثر من 100 مليون شتلة بحلول عام 2030.
زراعة أشجار القرم
وحين نعود إلى الوراء قليلًا، فقد زرعت الشركة في عام 1993م أول مجموعة من شتلات أشجار القرم (المانغروف) ضمن دراسة كُلف بإجرائها معهد البحوث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، في إطار جهود الشركة الرامية لإعادة زراعة غابات القرم على امتداد شواطئ الخليج العربي.
ودخلت الشركة في شراكة مع الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها (اسم الهيئة آنذاك)، ووزارة الزراعة والثروة السمكية (اسم الوزارة آنذاك)، لمعرفة ما إذا كان من الممكن إعادة زراعة أشجار القرم بنجاح. ويجدر بالذكر أن غابات القرم اليوم تزدهر على امتداد هذه الشواطئ، حيث زرعت أرامكو أكثر من 6 ملايين شجرة قرم، وفي هذا الصدد قال المهندس البيئي موسى الحارثي: «لا تقتصر فائدة الأشجار على إنعاش النظام البيئي الطبيعي وموائل الحياة الفطرية في المملكة فحسب، بل تُسهم أيضًا في احتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه».
مكافحة التصحر بالطبيعة
في معمل الغاز في حرض الواقع على ضفاف وادي السهباء العتيق، يعمل عبدالرحمن لشكر، المنسق البيئي وأحد أعضاء الفريق المسؤول عن إنعاش الحياة في منطقة متميزة بمساحة 250 ألف متر مربع في موقع التشغيل النائي هذا وإعادتها لسابق عهدها.
تزدهر في الظلال البعيدة للمعمل ثلاثة جيوب مهمة للتنوع الحيوي الأصيل في المملكة، حيث تغطي مجتمعة مساحة 8.3 كيلومترات مربعة، وتُسهم البذور الناتجة عن التنوع الحيوي الأصيل في استعادة التنوع الحيوي في حرض، حيث ينمو فيها 16 نوعًا من الشجيرات الأصلية والمهددة بالانقراض.
وتوفر النباتات والأشجار الجديدة في حرض مزايا تتعلق بالعمل، كاحتجاز الكربون، والحد من زحف الرمال صوب المعمل، إلى جانب توفير بيئة جذابة للموظفين.
اقتصاد الكربون الدائري
تتخلص معظم الاقتصادات من المواد الخام المستهلكة باعتبارها نفايات، ولكن منظومة الاقتصاد الدائري تستخدم الموارد مرارًا وتكرارًا. ويضيف اقتصاد الكربون الدائري محورًا آخر هو «التخلص من الكربون»، إلى جانب محاور اهتمامه الأساس المتمثلة في «التقليل وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير».
وقد اعتمدت المملكة العربية السعودية وأرامكو السعودية إطار اقتصاد الكربون الدائري كوسيلة للحد من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الأعمال.
وكانت المملكة قد عرضت مفهوم اقتصاد الكربون الدائري على قادة مجموعة العشرين العام الماضي، الذين أقروه بدورهم كإستراتيجية لمكافحة التغير المناخي على مستوى العالم.
ويُذكر في هذا الإطار أن الشركة دربت، مؤخرًا، ما يزيد على 1400 موظف على اقتصاد الكربون الدائري وأجازتهم بشهادات في هذا المجال.
شبكة الغاز الرئيسة
بدأت أرامكو في سبعينيات القرن العشرين باستخلاص الغاز الطبيعي المصاحب بدلًا من حرقه. ومنذ ذلك الحين، أسهمت شبكة الغاز الرئيسة، وهي عبارة عن شبكة ضخمة من خطوط الأنابيب التي تجمع الغاز المخصص للاستخدام التجاري وتوليد الكهرباء، في خفض معدلات حرق الغاز في الشعلات الناجمة عن أعمال التنقيب والإنتاج بشكل كبير.
وفي عام 1977م، دشن الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، معمل الغاز في البري ليكون أول مرفق من مرافق شبكة الغاز الرئيسة.
مصادر الطاقة المتجددة
مصادر الطاقة المتجددة ملازمة لأعمال النفط والغاز في أرامكو السعودية منذ أربعة عقود، الأمر الذي أفسح المجال أمام استخدامات اقتصادية أفضل للمواد الهيدروكربونية.
وكانت بداية رحلة مصادر الطاقة المتجددة في الشركة في ثمانينيات القرن العشرين، عندما قامت بتركيب ألواح كهروضوئية بجهد 10.9 فلط لمحطة وقاية كاثودية نائية في شدقم.
وتشارك الشركة في جهود التزام المملكة العربية السعودية باستخدام مجموعة متنوعة من حلول الطاقة منخفضة الانبعاثات الكربونية حول المملكة، وقد أصبحت أرامكو السعودية في الشهر الماضي جهة مستثمرة بنسبة %30 في بناء أضخم مزرعة للطاقة الشمسية في المملكة، ممثلة في مشروع سدير للطاقة الشمسية الكهروضوئية بواقع 1500 ميغاواط وبتكلفة 3.4 مليار ريال سعودي.
العنصر الأخف وزنًا والأكثر توفرًا على سطح الأرض
بدأ الهيدروجين، الذي لا يطلق أي انبعاثات للغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري عند احتراقه، يكتسب زخمًا لاستخدامه كمصدر بديل للوقود فيما تعكف أرامكو السعودية على تقصي نجاعة الاستثمار في سوق الهيدروجين الأزرق.
وكانت الشركة قد أرسلت، في العام الماضي، أول شحنة تجارية من الأمونيا الزرقاء في العالم إلى اليابان، الأمر الذي يبرهن على الإمكانات التي تنطوي عليها الأمونيا بوصفها إحدى سلع الطاقة التي تحد من الانبعاثات الكربونية.
وإن دلت البنية التحتية الضخمة لمرافق المعالجة وخطوط الأنابيب ومرافق التكرير، إلى جانب الخبرات التي تمتلكها أرامكو السعودية في مجال استخلاص الكربون، على شيء فهي تدلُّ على أن الشركة قادرة تمام المقدرة على الإسهام عمليًا في اقتصاد منخفض الكربون قائم على الهيدروجين.