إضاءة

رمضان بين التعذيب والتهذيب

رمضان بين التعذيب والتهذيب

رمضان هو شيخ الشهور ودرتها وواسطة عقدها والواحة التي نتفيؤها كل عام لتكون ملاذًا لأرواحنا وموردًا لقلوبنا ومستراحًا لنفوسنا مما حملته من أعباء روحية ونفسية وجسدية في ما يسبقه من الشهور. هو الشهر الذي نستقبله فرحين كبارًا وصغارًا ونودعه محزونين على فراقه، حتى وإن كان ختامه فرحة كبرى هي العيد.

رمضان هو شهر الطاعة والعبادة والاقتراب من الله ومغالبة الشهوات وتهذيب النفس وصقل معدن الروح حتى يتهاوى ما علق به من صدأ وما لحق به من قذى. رمضان هو شهر العودة للنهل من نمير القرآن الكريم، الذي ينساه أغلبنا لشديد الأسف وينشغل عنه طوال شهور العام، ليكون لنا موعد لا نخلفه معه فنرتله آناء الليل وأطراف النهار وتلهج به ألسنتنا وتعبق به أنفاسنا وتسمو بمعانيه نفوسنا. 

ورمضان أيضًا هو الشهر الذي نمنح فيه لأجسادنا الفرصة لتلقي عن كاهلها ما ألحقناه بها من الأذى والإهمال وإدخال الطعام على الطعام حتى أصبحت أجسادنا مراتع للأسقام والآلام التي يجرها علينا في الأغلب ضعفنا أمام ما يسيل له لعابنا من المآكل والمشارب التي لا تكف عن إغوائنا على مدار العام.

رمضان أيضًا هو فرصتنا لنخوض تجربة من لا يجدون قوت يومهم ومن يباتون على الطوى ومن لا يقيمون أودهم إلا بأقل القليل، لنمد إليهم يد العون ونقول لهم إننا نحس بما تحسون به ونشعر بما تشعرون به، وإننا نتعاطف معكم، فنمد أيدينا إليهم بما يمكننا من المساعدات العينية والمادية، كلٌّ بحسب استطاعته.

غير أن الملاحظ لشديد الأسف أن رمضان لا يعني لفئة من الناس إلا الحرمان من الطعام والشراب وما يلحق بذلك من تعكر المزاج وسوء المعاملة مع الآخرين وربما إلحاق الأذى النفسي وربما الجسدي بهم، فترى الواحد من هؤلاء عابس الوجه مكفهر القسمات، وإن تكلم كانت ألفاظه وعباراته سهامًا مسددة تبحث عن فرائسها، وضواري تكمن لطرائدها، سواء أكان ذلك في البيت مع أفراد أسرته، أو في مكان العمل مع زملائه، أو حتى على الطرقات حين يجلس الواحد منهم وراء مقود سيارته. ومن الملاحظ بهذا الشأن أن «سلوكيات» بعض السائقين، هداهم الله، تصبح أكثر سوءًا وشططًا وخطرًا في ساعات النهار، وفي الفترة التي تسبق موعد الإفطار على وجه الخصوص، حتى ليكون على المرء توخي أقصى درجات الحذر في ذلك الوقت من اليوم على وجه التحديد كي لا يطاله شيء من شرر هؤلاء الذين لم يقفوا من الصيام إلا على قشوره ولم يبلغوا جوهر مكنونه الذي ما كلفنا الله بالصيام إلا لبلوغه.

الصيام لدى بعض الناس «تعذيب» للجسد، ولدى بعضهم الآخر «تهذيب» للنفس، فمن أي الفريقين أنت؟ 

 
ترحب القافلة الأسبوعية بمشاركة الموظفين في الكتابة لزاوية إضاءة، وذلك لتعميم الفائدة من خلال ما يطرح فيها من أفكار متنوعة تعبّر عن آراء كتّابها.
 
Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge