خطت دائرة الموارد غير التقليدية خطوة واسعة باتجاه الاستدامة البيئية، حيث دشَّنت، مؤخرًا، مشروعًا للتزويد واسع النطاق بمياه الصرف الصحي المعالجة، وذلك بهدف استخدامها في أعمال التكسير بضغط السوائل ضمن أعمال الحفر والإنتاج.
وقد كان تحقيق هذا الإنجاز الإستراتيجي نتيجة مباشرة للجهود التي بُذلت على مدى خمسة أعوام، وتضمَّن ذلك نطاقًا واسعًا من الدراسات الفنية متعددة المجالات، والبحوث المختبرية المكثفة، بالإضافة إلى الاختبارات التجريبية في الحقل، ما قاد إلى تحقيق عنصر محوري في برنامج الموارد غير التقليدية، وهو توفير مصدر مائي مستدام لأعمال تطوير الموارد غير التقليدية.
ويُعد برنامج الموارد غير التقليدية مبادرة مهمة بالنسبة لأرامكو السعودية، وترتبط مهمته باستثمار موارد الهيدروكربونات البديلة في المملكة. ويتطلب الوصول إلى هذه الموارد وتمكينها من التدفق إلى السطح جهودًا مكثفة من أعمال التكسير بضغط السوائل، وهي عملية تفتيت الصخور الدفينة على عمق كيلومترات تحت السطح، وتدعيم الفوهة بالرمل، ويتطلب ذلك آلافًا من براميل المياه لكل بئر.
وفي هذا الصدد، قال المدير التنفيذي للموارد غير التقليدية، الأستاذ خالد العبدالقادر: "يجسد الحل المتمثل في الاستفادة من مياه الصرف الصحي في أعمال التكسير مدى الابتكار والتفاني الذي يحظى به برنامج الموارد غير التقليدية، ويؤكد أن المحافظة على البيئة والمجتمع المحلي تبقى في طليعة ما تستهدفه أفكارنا وأفعالنا."
البحث عن خيارات مستدامة
من جانبه، قال مدير إدارة أعمال إنجاز الآبار وهندسة الإنتاج، الأستاذ إبراهيم الأرناؤط: "لقد كان تأمين إمدادات المياه المستدامة أحد الركائز الإستراتيجية لرؤيتنا منذ بداية البرنامج، وقد كُلِّف فريق من الإدارة بالعمل على توفير ذلك، وإنشاء بنية تحتية سليمة ومستدامة لمصادر المياه البديلة."
وأتمَّ فريق إدارة أعمال إنجاز الآبار وهندسة الإنتاج التقييم الفني لمصادر مختلفة من المياه: كمياه البحر، والمياه الراكدة، ومياه الصرف الصحي المعالجة، بالإضافة إلى بدائل أخرى غير مائية. وتضمنت معايير الاختيار المتطلبات الكيميائية للتكسير، وتخفيف الآثار السلبية على الإنتاج، مثل التقشر أو نمو البكتيريا. كما كان من المهم أن يكون الحل المُختار ذا جدوى اقتصادية، وقادرًا على تلبية الطلب المستقبلي على الماء من قبل أعمال التكسير.
وقال قائد فريق إدارة المياه في إدارة أعمال إنجاز الآبار وهندسة الإنتاج، كريم مشكاك: "جميع هذه الحلول خضعت للاختبار بدقة قبل إجراء التجارب الحقلية، وسط دعم هائل من مختبرات مركز الأبحاث المتقدمة في إكسبك."
وقد أظهر الحل المبتكر المتمثل في الاستفادة من مياه الصرف الصحي المعالجة إمكانات عالية، وتم استكشافه عبر ثلاث مراحل:
– العمل المخبري: الذي تضمَّن تقييمًا ميكروبيًا كاملًا ضمن الظروف الداخلية للبئر، ويشمل ذلك تقييم نمو البكتيريا، التي يمكن أن تُضر بجدوى الإنتاج.
– إجراء اختبارات ميدانية لعملية التكسير: بغرض اختبار الحل الجديد، والتأكد من إمكانية الضخ الناجح والآمن للمياه، وفاعليتها في أداء الهدف المنشود.
– التقييم: لتحليل نتائج الاختبارات الميدانية، التي أظهرت أن التكسير باستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة تحظى بنتائج مماثلة للتكسير بواسطة المياه العذبة، أو أفضل منها. كما لم تظهر بيانات التدفق العكسي وجود أي بكتيريا، مؤكدة بذلك نتائج التحليل المخبري.
من الاختبار إلى الاستثمار
وبعد النتائج الممتازة التي أظهرتها الاختبارات التجريبية، تم اعتماد مياه الصرف الصحي المعالجة كحل أمثل لتأمين المياه لتطوير الموارد غير التقليدية. كما تم تحديد محطة العمران لمعالجة مياه الصرف الصحي، التي تشغِّلها شركة المياه الوطنية، بوصفها المصدر الأفضل نظرًا لموقعها الجغرافي. وتم تطوير حل متكامل لنقل هذه المياه وتخزينها وتوزيعها، وبالتالي توفير المياه بكفاءة وبأدنى التكاليف، من المحطة إلى موقع التكسير.
وإلى جانب هذا الحل، الذي يُعد أحدث مبادرة صديقة للبيئة ضمن أعمال تطوير المصادر غير التقليدية، تواصل الدائرة جهودها لتوسعة نطاق ما يمكن تحقيقه على هذا الصعيد.
وعلى سبيل المثال، سعت الدائرة، مؤخرًا، إلى تنفيذ مبادرة تجريبية لزيادة الرقعة الخضراء، ودعم التنوع الأحيائي المحلي في الجافورة، وذلك من خلال زراعة الأشجار ورعايتها، عبر استثمار إمدادات مياه الصرف الصحي المعالجة، والبنية التحتية الخاصة بها.
وبلا شك، سترشِّد الحلول الرائدة لإدارة المياه الملايين من براميل المياه الجوفية على امتداد عمر هذا المشروع، لتبقى هذه المياه للأجيال المقبلة، بينما تقدِّم الموارد غير التقليدية أقصى فوائدها من أجل المملكة وأرامكو السعودية.