أرامكو السعودية تسعى نحو توفير ألياف الكربون بتكلفة معقولة

أرق من الشَعرة وأقوى من الفولاذ..

أرق من الشَعرة وأقوى من الفولاذ..

حين تكون على استعداد لإنفاق آلاف الريالات على دراجة هوائية من الطراز الأول مصنوعة من ألياف الكربون، فأنت بالتأكيد تدرك فوائد استخدام ألياف الكربون؛ فهيكل الدراجة المصنوع من هذه المادة يجعلها أكثر صلابة، وأخف وزنًا، وأكثر استدامة من الدراجة التقليدية ذات الهيكل الفولاذي.

ألياف الكربون هي مادة معززة قادرة على تحمل أوزان ثقيلة ودرجات إجهاد عالية في أصعب الظروف. والمواد اللامعدنية، أو المركبة، التي تُصنع بخلط هذه المادة مع البوليمرات تكون أخف وزنًا من الألمنيوم بنسبة 40%، كما يمكن أن تكون مقاومة للمواد الكيميائية ودرجات الحرارة المرتفعة، وأصلب بعشر مرات من الفولاذ.

هذه الخصائص تجعل ألياف الكربون مادة مثالية للمستهلكين وفي الاستخدامات الصناعية على الرغم من ارتفاع ثمنها.

وتحظى المواد اللامعدنية، كالمواد البلاستيكية، باستخدامات عديدة في قطاع النفط والغاز، بما في ذلك في صناعة خطوط الأنابيب، وذلك نظرًا لما تتمتع به من أداء محسَّن وتكاليف صيانة متدنية.

وفي المستقبل، يمكن أن تُستخدم المواد البلاستيكية المعززة بألياف الكربون، على سبيل المثال، في تصنيع خطوط أنابيب كبيرة القُطر، تتمتع بصلابة أكبر، وأداء أفضل فاعلية بالمقارنة بخطوط الأنابيب الفولاذية التقليدية.

وفي مجال منافسات السيارات الرياضية، لطالما تصدَّرت فرق فورمولا 1 المشهد في مجال استخدام ألياف الكربون. ففي عام 1981م، قدَّم فريق (مكلارين) للفورمولا 1 سيارة السباق الخاصة به بغلاف هيكلي مصنوع من ألياف الكربون، واستُخدمت في هذا التصميم المبتكر قمرة سلامة مصنوعة من هذه المواد، لتكون سيارة السباق أكثر قوةً وأخف وزنًا، بما يكفل أداءً أفضل وحمايةً أعلى للسائقين.

واليوم، تستخدم فرق فورمولا 1 المواد البلاستيكية المعززة بألياف الكربون في صناعة المكونات الرئيسة في سياراتها، بما في ذلك الهيكل والرفرف والمقدمة ونظام التعليق، وذلك بهدف جعل سيارات السباق الحديثة أخف وزنًا وأكثر أمانًا، ورفع كفاءتها في استهلاك الوقود.

وفي هذا الشأن، تعكف "شركة أرامكو السعودية للتقنية" في الظهران على تطوير تقنيات جديدة تُسهم في توسيع نطاق إنتاج ألياف الكربون مقتصدة التكلفة، للاستفادة منها في استخدامات جديدة. وتأتي هذه الجهود في إطار توجه أرامكو السعودية نحو توسيع نطاق أعمالها في مجال المواد اللامعدنية، من خلال اغتنام الفرص المحلية والعالمية في قطاعات صناعية مختلفة.

التركيز على خفض التكلفة وزيادة الطلب

وعلى الرغم من أن الطلب على ألياف الكربون يشهد ارتفاعًا كبيرًا، إلا أن قطاع السيارات لم يكن سريعًا في تبنيها لتصنيع السيارات العادية التي تُنتج بكميات ضخمة، نظرًا للتكلفة العالية، حيث بلغ سعر المواد البلاستيكية المعززة بألياف الكربون عام 2020م عشرة أضعاف سعر الفولاذ.

ولذلك، يقتصر استخدام ألياف الكربون حتى الآن في هذا القطاع على السيارات الفخمة ورياضة سباقات السيارات. ولكن استخدام هذه المواد بشكل أوسع في تصنيع السيارات سيخفف من وزنها، الأمر الذي يخفض استهلاكها للوقود ويحدُّ من الانبعاثات.

ويمثِّل توفير المواد البلاستيكية المعززة بألياف الكربون بتكلفة معقولة فرصة لأرامكو السعودية، تستطيع من خلالها تبوء مكانة رائدة على خارطة هذه السوق المبتكرة، وسيمكِّن ذلك الشركة من استحداث أسواق جديدة للمواد الكيميائية المنافسة التي تنتجها. ولتحقيق هذه الغاية تعكف أرامكو السعودية على بناء منظومة تعاون عالمية لمساندة تطوير البوليمرات الجديدة، وغيرها من المواد اللامعدنية.

وفي الوقت الحالي، تعمل "شركة أرامكو السعودية للتقنية" على التعاون مع معهد تقنية النسيج في ألمانيا، من أجل التوصل إلى سبل ترفد السوق بألياف كربون قياسية المتانة ومقتصدة التكلفة، وتزيد الطلب على التقنيات القائمة على البوليمرات، للاستفادة منها في استخدامات واسعة النطاق في السوق.

وقال محمد بوهرارة، وهو عالم أبحاث أعلى من فريق أعمال التصنيع في مركز البحوث والتطوير في الظهران: "نسعى إلى خفض تكلفة تصنيع ألياف الكربون، لتصل إلى عشرة دولارات للكيلوغرام الواحد بحلول عام 2035م،  وسيشكِّل ذلك انخفاضًا بنسبة 50% عن أسعار هذه المواد في العام الماضي".

وأضاف بوهرارة: "تعمل هذه المبادرة على التعجيل باعتماد هذه المواد على نطاق واسع في قطاع السيارات، وفي غيره من القطاعات، بما في ذلك توليد الطاقة من الرياح وخطوط الأنابيب".

نحو توطين التصنيع

من جانب آخر، تعكف أرامكو السعودية على التعاون مع شركة توتال وشركة إنيوس، في إطار مشروع أميرال للكيميائيات، من أجل إنتاج مادة الأكريلونيتريل في المملكة. وهذه المادة هي ركيزة رئيسة لتصنيع عديد من المواد البلاستيكية، بما في ذلك البولي أكريلونيتريل، التي تُعد من المواد الخام الأكثر شيوعًا من حيث استخدامها في إنتاج ألياف الكربون.

وسيوفِّر مشروع أميرال البروبيلين لمعمل جديد تعمل شركة إنيوس على إنشائه في مدينة الجبيل على ساحل الخليج العربي. وستتيح منتجات شركة إنيوس من الأكريلونيتريل إنتاج البولي أكريلونيتريل بتكلفة أقل، الأمر الذي سيخفض تكلفة تصنيع ألياف الكربون.

البحث عن طرق بديلة

إلى جانب ذلك، تستكشف أرامكو السعودية استخدام البولي إيثيلين كمادة خام بديلة لتصنيع ألياف الكربون. والواقع أن هذه المادة  لها مزايا عديدة تتفوق بها على البولي أكريلونيتريل، بما في ذلك احتواؤها على نسبة أعلى من الكربون، وانخفاض تكلفتها، بالإضافة إلى إمكانية معالجتها بصورة أفضل.

ويعكف الباحثون على تذليل العقبات الفنية المرتبطة باستخدام تقنية التصنيع القائمة على البولي إيثيلين، ومن ضمنها، بحسب بوهرارة، تطوير مراحل عملية التصنيع لهذه التقنية، ومضاهاة الخصائص الميكانيكية لألياف الكربون المصنَّعة باستخدام البولي أكريلونيتريل.

وستمكِّن هذه التقنيات أرامكو السعودية من الاستفادة المبكرة من هذه الفرصة الفريدة، وإحراز قصب السبق فيها من خلال نهج من شقين، هما: توسيع نطاق سوق ألياف الكربون من خلال الاستثمار الأمثل لعمليات التصنيع الحالية، وطرح تقنية جديدة تتميَّز بجودة أفضل وتكلفة أقل.

وإلى جانب الجهود المبذولة على صعيد المحركات وأنواع الوقود المتطورة، التي يجري العمل على تطويرها من خلال منظومة الأبحاث العالمية التابعة لأرامكو السعودية، فإن تلبية الطلب على ألياف الكربون ستُسهم في دفع عجلة الاستدامة، وتنويع استخدامات موارد النفط الخام، وتعزيز الابتكار التقني، وإتاحة فرص اقتصادية جديدة.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge