التميُّز البيئي يتجسَّد على الأرض في جازان

التميُّز البيئي يتجسَّد على الأرض في جازان

يُعدُّ الجنوب الغربي من المملكة من بين أكثر المناطق الآهلة بالسكان. هناك، تلعب أرامكو السعودية دورًا رئيسًا في تعزيز التنمية الاقتصادية في جازان، بينما تُسهم في الوقت نفسه بجهودها لحماية البيئة في المنطقة.

وعلى بُعد 70 كيلومترًا شمال مدينة جيزان الرئيسة، تقع مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية (مدينة جازان الاقتصادية) بجوار ساحل البحر الأحمر، وهي إحدى مبادرات المملكة للتنمية المتوازنة في منطقة جازان، وقد أُوكلت مهمة بناء البُنى التحية الإستراتيجية لهذه المدينة الصناعية إلى أرامكو السعودية.

وتبلغ مساحة مدينة جازان الاقتصادية 106 كيلومترات مربعة، وهي تركِّز على مجالات الطاقة والتصنيع، إلى جانب الزراعة والصيد، وتستهدف أن تكون مُسهمًا ثابتًا نحو اقتصاد المملكة.

وتُعدُّ منطقة جازان، التي تمتدُّ على مسافة 200 كيلومتر بجوار ساحل البحر الأحمر، جوهرة نادرة من حيث تنوُّع مشهدها، وغناها بالطبيعة والثقافة العريقة؛ حيث مياه البحر الزرقاء تميل بأمواجها نحو السواحل الرملية البيضاء، وحيث الجبال الشُمُّ تنحدر نحو السهول والمنخفضات الخضراء.

وقد استثمرت أرامكو السعودية ما يقرب من 1.2 مليار دولار من أجل الحدِّ من أي أضرار قد تترتَّب على تطوير مدينة جازان الاقتصادية، ولحماية البيئة المحيطة بها.

وفي هذا الشأن، يقول المدير العام لإدارة المشاريع في منطقة جازان، الأستاذ يحيى ابوشال، إن فريق إدارة المشاريع نفَّذ مشروع جازان الضخم بعناية خاصة بالآثار المترتبة على البيئة وسُبُل حمايتها.

ويضيف ابوشال: " منذ المراحل الأولى من المشروع، لم يدَّخر فريق المشروع جُهدًا في العمل مع مانحي الرُخص وشركات الهندسة حتى مرحلة الإنشاء، من أجل توفير التصميم الأمثل، بما يُسهم في تجنُّب الأضرار على البيئة في المناطق المحيطة".

حماية البيئة

ويقول المدير العام لحماية البيئة، الأستاذ عمر عبدالحميد، إن الشركة تُدرك أهمية تنمية الموارد الطبيعية الثمينة.

ويُضيف عبدالحميد قائلًا:

"بإرثها النابع من أعماق ثقافة ترتكز على التعايش في وئام مع المناخ القاسي والبيئة القاحلة في المملكة، لطالما كانت أرامكو السعودية سباقة في مجالات ترشيد استهلاك المياه، وكفاءة الطاقة، وحماية الحياة النباتية والحيوانية". عمر عبدالحميد

وبقدر ما قد تُلهمك به منطقة جازان نفسها، فإن نتائج الجهود المستمرة لحماية البيئة في مدينة جازان الاقتصادية هي أيضًا مصدر آخر للإلهام.

التكامل في قطاع التكرير والمعالجة والتسويق

ومن أجل استثمار أمثل لقيمة كلِّ برميل تُنتجه الشركة من النفط الخام، تعتمد أرامكو السعودية إستراتيجية نابضة بالحياة لتنمية قطاع التكرير والمعالجة والتسويق. ويمثِّل مجمع أرامكو السعودية المتكامل للبتروكيميائيات والتكرير والمرافق المُلحقة به في مدينة جازان الاقتصادية جزءًا من رحلة الشركة نحو التكامل في هذا القطاع من خلال منظومة متكاملة من المصافي المحلية والدولية، التي تعودُ ملكيتها كليًا أو جزئيًا للشركة.

مصفاة جازان، التي تبلغ طاقتها التشغيلية 400 ألف برميل في اليوم، والتي تخوض مرحلة الاستعداد لبدء التشغيل في الوقت الحاضر، تقع في قلب المدينة الصناعية. وضمن أعمال الاستعداد للتشغيل، اعتُمدت أفضل الممارسات الصناعية الفاعلة في الحد من الآثار المُحتملة على البيئة.

إلى جانب ذلك، فإن الشركة هي أحد المشاركين ضمن مشروع مشترك لتطوير معمل متكامل لإنتاج غاز التصنيع وتوليد الطاقة عبر تقنية الدورة المزدوجة.

ويوضح المدير العام لمجمع مصفاة جازان، الأستاذ عبدالله السويلم، أن المجمع صُمِّم وفقًا لمنهج يركِّز على تفادي أي أضرار محتملة على البيئة، مضيفًا بقوله:

"مجمع المصفاة هذا، المجهز بأحدث تقنيات التحويل الكامل، إلى جانب المعمل المتكامل لتوليد الطاقة، هو واحدٌ من بين عديد من الابتكارات التي توفِّر حماية من أعلى طراز للبيئة".  عبدالله السويلم

وإلى جانب المصفاة، طوَّرت أرامكو السعودية فُرضة بحرية لمدينة جازان الاقتصادية، ومعملًا لتوليد الطاقة بقدرة 3.8 غيغاواط من شأنه جعل المصفاة مُعتمدة على نفسها بشكل كامل، كما أنه يساعد في إمداد المنطقة بالطاقة. كذلك، طوَّرت الشركة ميناء بحريًا تجاريًا، ومعملًا لتحلية المياه، بالإضافة إلى شبكة من الطرق وأنظمة لإمداد المياه وتصريفها، وشبكة لإمداد الكهرباء.

وتُعدُّ مدينة جازان الصناعية إحدى أربع مدن اقتصادية متكاملة يجري إنشاؤها في إطار رؤية المملكة، وذلك بهدف بناء قواعد اقتصادية صلبة في أنحاء مختلفة، تُسهم في تنويع الاقتصاد، وتحقيق التنمية المتوازنة.

 

قطف فوائد الاستثمار في البيئة

تُعدُّ مدينة جازان الاقتصادية بمثابة حجر زاوية ضمن جهود تطوير منطقة جازان. ومنذ عام 1933م، سعت أرامكو السعودية باستمرار للحدِّ من الأضرار التي قد تنشأ من أعمالها على البيئة.

ويمثِّل استثمار أرامكو السعودية في حماية البيئة ووقايتها من الأضرار، الذي تبلغ قيمته 1.2 مليار دولار، بمثابة تكلفة تُدفع للموازنة بين الأعمال وحماية البيئة. وتُظهر عقودٌ من الجهود الحثيثة لحماية البيئة ضمن مناطق أعمال الشركة أن الحماية والربح يمكن لهما أن يُوجدا معًا.

تدوير الموارد الثمينة

في مجمع مصافي جازان، يتجسَّد مفهوم الاقتصاد الدائري عبر نواحٍ مختلفة. وتضطلع وحدة استخلاص بقايا الرماد بمهمة خفض انبعاث الملوِّثات الصناعية إلى الجو، وهي تقوم بدور مهم، حيث تُنتج 7200 طن سنويًا من عُنصري الأرض الثمينين، الفاناديوم والنيكل.

فبدلًا من التخلص من بقايا الجزيئات الصلبة الناشئة عن إنتاج غاز التصنيع عبر أسلوب الدفن في الأرض، يُباع هذا المُنتج الثمين لأحد العملاء من أجل إعادة تأهيله. ويوضح فيصل الحويطي، الذي يعمل مهندسًا في إدارة الهندسة في مصفاة جازان، أن استخدام هذه المواد بدلًا من التخلص منها يُعدُّ أمرًا مربحًا للبيئة وللشركة في الوقت نفسه.

"الحدُّ من الأضرار على البيئة هو أولوية، واستعادة هذه المعادن الأرضية النادرة يعني إمكان الاستفادة منها في تصنيع الفولاذ والبطاريات، ليُسهم هذا الاستثمار في صنع مزيد من القيمة على المستوى الاقتصادي الكلي". فيصل الحويطي

استخلاص الكبريت بأحدث التقنيات

وفي الوقت الحالي، يُستخلص عنصر الكبريت بنسبة 99.9% في مدينة جازان الاقتصادية، وهو أحد العناصر التي يلزم إزالتها من الموارد الهيدروكربونية.

وتُعدُّ المصفاة مرفق الأعمال الأول في أرامكو السعودية، الذي يُصمَّم ويُجهَّز بقدرة على استخلاص الكبريت بهذه الكفاءة المرتفعة. وتُنتج وحدات استخلاص الكبريت المصهور من الغاز المرُّ، وبقدرة إنتاج تبلغ 1938 طنًا قياسيًا من الكبريت في اليوم الواحد. وتتألف هذه الوحدات من ثلاثة أقسام، هي: قسم إنتاج عنصر الكبريت من خلال عملية معالجة تُعرف باسم (كلاوس)، وقسم إزالة الغازات من الكبريت السائل، وقسم معالجة رجيع الغاز المر وحرق الغازات الملوِّثة.

وقد تم اختيار التقنيات لضمان قدرة الوحدات على استخلاص أكثر من 99.9% من الكبريت، بما من شأنه أن يقلِّل من انبعاث غازات أكسيد الكبريت. وتتوافق هذه الوحدات مع القيود الجديدة على ملوِّثات الهواء في المملكة.

الحدُّ من الغاز المُحرق في الشعلات

ومنذ سبعينيات القرن الماضي، دشَّنت أرامكو السعودية برنامجًا للحد بشكل كبير من كمية الغاز المُحرق عبر الشعلات. وعلى الرغم من أن الحرق بواسطة الشعلات يلعب دورًا رئيسًا ضمن نظام السلامة في قطاع النفط والغاز، إلَّا أن استخدام هذا النظام ضمن الأعمال الروتينية في الشركة يمثِّل نسبة أقل من 1%، حتى مع سعة إنتاج الغاز الضخمة جدًا.

وتمتلك مصفاة جازان ثلاثة أنظمة منفصلة للحرق بواسطة الشعلات، تُستخدم بناءً على سعة المائع المُرسل للحرق وطبيعته. ومثل باقي مرافق الأعمال في أرامكو السعودية، سيتم ربط نظام الحرق عبر الشعلات في جازان بنظام مراقبة الشعلات الخاص بالشركة.

استعادة الغاز عن آخره

إلى جانب ذلك، تمتلك مصفاة جازان معدات ضغط متخصصة تهدف إلى استعادة الغاز، وإعادة الاستفادة من الانبعاثات، التي يتم عادة التخلص منها عبر الحرق. ويمتلك نظام استعادة الغاز المُرسل إلى الشعلات، الذي يتألف من وحدتين متماثلتين، القدرة على استعادة 3.5 مليون قدم مكعبة قياسية من الغاز يوميًا.

إعادة الحياة إلى الطبيعة لمواجهة تغيُّر المناخ

مداواة الطبيعة بالطبيعة توفِّر حلولًا مذهلة النتائج. وعلى هذا النحو، تمثِّل أشجار القرم علاجًا ناجعًا للطبيعة؛ حيث إنها تستطيع بسرعة فائقة احتجاز كميات أكبر من الكربون مقارنة بالأشجار البرية، كما أنها تُسهم في استقرار النظام البيئي في السواحل، وتوفِّر الملجأً للكائنات البحرية. وهي أيضًا أشجارٌ قادرة على العيش في المياه المالحة، وهي ميزة في غاية الأهمية بالنظر إلى البيئة القاحلة في المملكة.

وتمتلك جازان نوعين من أشجار القرم، يمتلكان معدَّل نمو أكبر مقارنة بمعدَّل نموهما في المنطقة الشرقية. ومع الأسف، نتيجة للرعي الجائر للجمال، تعرَّضت غابة أشجار القرم في مدينة جازان الاقتصادية إلى أضرار كبيرة، أسفرت عن فناء جزء كبير منها.

وفي عام 2017م، أنشأت أرامكو السعودية سياجًا لحماية غابة القرم من الرعي الجائر. ويقول المستشار البيئي في حماية البيئة، رونالد لوفلاند، إن التعافي الطبيعي للغابة كان أمرًا استثنائيًا. ويُضيف لوفلاند: "قدرة الطبيعة على استعادة الحياة على وجه السرعة هو أمرٌ مذهل حقًا".

وقد استعادت الغابة قدرتها على توفير ملجأ ومأوى لعديد من أنواع الكائنات البحرية، بما فيها الطيور المهاجرة والمقيمة، وقد بدأت أسرابٌ كبيرة من طيور زقزاق السرطان (الحنكور) المحلية تتوافد إلى الموقع.

شعابٌ مرجانية صناعية

تُعدُّ الشعاب المرجانية مصدرًا لا تُقدَّر قيمته بثمن للتنوع البيئي والنمو الاقتصادي في كوكبنا، وهي معرَّضة لأخطار متنامية تتهدَّدها بالضرر والفناء. وتُسهم الشركة في تنمية الحياة البحرية المرجانية من خلال توظيف هياكل صناعية ثابتة تُحاكي الشعب المرجانية الطبيعية، في مواقع متعددة عبر البحر إلى جانب مدينة جازان الصناعية.

ومنذ عام 2015م، ثبَّتت الشركة أكثر من 3200 شعبة مرجانية صناعية، لتساعد في إعادة بناء النظم البيئية البحرية، ومساندة قطاع الصيد البحري المحلي. وفي مدينة جازان الصناعية، تطوِّر الشركة 10 شعاب صناعية كبيرة الحجم، باستخدام تصميم تمتلك الشركة مُلكيته الفكرية.

ومن خلال تصميمها بهيكل مركزي مرتفع عموديًا، تجتذب الشعاب الصناعية أسماك المياه السطحية، في حين تُحيط بالمركز شبكة من الشعاب المتصلة به، التي تمنح مساحة للكائنات الأصغر حجمًا للتحرك بحرية عبر الهيكل وتجنُّب الوقوع عُرضة للافتراس. يقول لوفلاند: "إنها واحدة من أكثر تصاميم أرامكو السعودية ابتكارًا لإعادة الحياة إلى البيئة".

إدارة صارمة للموارد المائية

في أنحاء الأراضي العطشى في المملكة، تُعدُّ المحافظة على الموارد المائية الثمينة عادة راسخة. وفي مجمع مصفاة جازان، تضع إدارة الموارد المائية معايير جديدة، تهدف لإحراز مستوى أعلى من إعادة استخدام كل قطرة من الماء.

ولا تقتصر إعادة الاستخدام على مياه الصرف الصحي، بل تشمل أيضًا إعادة استخدام المياه الصناعية. ولحماية البحر الأحمر، لا يتم التخلص من أي مياه صناعية عبر إرسالها إلى البيئة البحرية.

وتُعالَج جميع مياه الصرف لتُستخدم بالكامل داخل مجمع المصفاة. ويُصفِّي معمل معالجة المياه كلًّا من المياه الصناعية المُعالجة أوليًا في مصفاة جازان، وكذلك المياه الصناعية غير المعالجة، بالإضافة إلى مياه الصرف الصحي من كلٍّ من المصفاة والفرضة البحرية ومعمل توليد الطاقة.

كفاءة الطاقة وحماية مياه البحر

تتميَّز معامل توليد الطاقة بواسطة تقنية الدورة المزدوجة بكفاءتها العالية في إنتاج الطاقة. ومقارنة بمعامل توليد الطاقة التقليدية، تستطيع هذه المحطات إنتاج الكهرباء بمستوى أعلى بنسبة 50%، من خلال استخدام الكمية نفسها من الوقود، حيث تُستثمر الحرارة المُهدرة لتُحوَّل إلى طاقة. وقد أنشأت أرامكو السعودية في جازان معملًا متكاملًا لإنتاج غاز التصنيع وتوليد الكهرباء عبر تقنية الدورة المزدوجة.

ويضمن نظام التبريد التابع للمعمل، الذي صُمِّم بصرامة، أن مياه البحر التي يُعاد تدويرها إلى المعمل ومنه صالحة للعودة إلى مياه البحر الأحمر معتدلة الحرارة.

وتمتد أنابيب ضخمة على مسافة 2.4 كيلومترًا داخل البحر الأحمر لتأخذ الماء الدافئ إلى قاعدة مصنوعة في غمار المياه العميقة الأكثر برودة، ليمكن من خلالها معادلة درجة حرارتها مع المياه المحيطة.

إدارة حكيمة للنفايات

في اقتصاد قائم على التدوير على الوجه الأمثل، لن يكون هناك أي تخلص من النفايات بواسطة الدفن. لكن أسلوب الدفن للتخلص من النفايات لا مفر منه في بعض الأحيان؛ ومن أجل الحد من أضراره البيئية، طوَّرت أرامكو السعودية منطقة مُعتمدة للتخلص من النفايات بالدفن في شمال مدينة جازان الصناعية.

ويتطلَّب التخلص السليم من النفايات عبر الدفن في الأرض إدارة حكيمة، لذا، صُمِّمت المنطقة المُعتمدة شمال المدينة لمعالجة المواد الخطيرة وغير الخطيرة على حدٍّ سواء، وهي تُشغَّل وفقًا لهذا المفهوم أيضًا.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge