إنعاش الحياة في وادي السهباء..

الشُجيرات تزيِّن الأرض في حرض

الشُجيرات تزيِّن الأرض في حرض

إذا ما سارت بك قدماك رُويدًا في المركز الجنوبي من صحراء الدهناء في المملكة، ستلحظ الحصوات النهرية بكافة أحجامها وألوانها وأشكالها، وهي تتهشَّم بلطف تحتهما.

هناك، تنتثر الصخور العتيقة فوق رمال الدهناء في أرض لا يجري فيها نهر دائم، لتحكي بصمت تاريخ وادي السهباء. وخلال مواسم الأمطار، يتدفق الماء خلال الوادي على امتداد 380 كيلومترًا، من الخرج إلى سبخة الحمر.

ومنذ عام 2004م، يستقرُّ معمل الغاز في حرض على تلال الوادي العتيقة الواسعة.

ويمتدُّ المعمل، الذي يتربَّع بكل فخر فوق الرمال الصحراوية على بُعد 270 كيلومترًا جنوب شرق الرياض، على مساحة تبلغ 32 كيلومترًا مربعًا، ويُعدُّ من بين مناطق الأعمال النائية، حيث يُعالج في أغلب الأحيان الغاز غير المصاحب من حقول المنطقة الجنوبية.

وبشكل لافت للأنظار، تزدهر في الظلال البعيدة للمعمل ثلاثة مخابئ مهمة للتنوع الحيوي الأصيل، حيث تغطِّي مجتمعة مساحة تبلغ 8.3 كيلومترًا مربعًا. هذه المخابئ، التي تقع فيما بين معمل الغاز والمنطقة السكنية، تشهد لمعمل الغاز في حرض بحُسن إدارة الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. وبصورة لا تُقدَّر بثمن، تُسهم البذور الناتجة عن التنوع الحيوي الأصيل في إحياء المعمل للمنطقة البيئية الجديدة، التي تقع على مساحة 250 ألف متر مربع. 

استعادة التنوع الحيوي الصحراوي

في أواخر شهر سبتمبر، تحمل الرياح الشمالية طرية الهواء بين نسماتها بُشرى برودة الشتاء، حيث تهبُّ عبر منحنيات المجرى العتيق لوادي السهباء.

وتسري تلك الرياح باتجاه معمل الغاز في حرض، لتتخلَّل ما يقارب 3000 شجرة أصلية مورقة، شقَّت جذورها بلطف في الرمال الصحراوية قبل 18 شهرًا في المنطقة الجديدة، التي سُمِّيت "منطقة أرامكو السعودية للتنوع الحيوي في حرض"، حيث تُشير الأحرف الأولى من الاسم في اللغة الإنجليزية إلى وادي السهباء.

وإلى جانب الأشجار في المنطقة، ينمو 16 نوعًا من الحشائش الأصلية المهدَّدة بالانقراض، بينما يجتذب الحوض اللامع لمياه الصرف الصحي الأنظار، حيث يمتدُّ على مساحة 700 متر مربع، وينتعش قاعه بالطحالب الغنية بالعناصر الغذائية.

وكان نائب الرئيس لأعمال الغاز، الأستاذ عبدالله الغامدي، قد دشَّن منطقة حرض للتنوع الحيوي مطلع عام 2019م. وقال الغامدي إن أرامكو تُسهم ضمن الجهود الوطنية لمواجهة التصحر، وحجز الكربون، وتحسين التنوع الحيوي.

وأضاف الغامدي: "إن الجهود الرائدة لمعمل الغاز في حرض، الرامية إلى استعادة حياة الطبيعة في الصحراء، تأتي في إطار جهود المملكة الأوسع نطاقًا لتعزيز التنوع الحيوي فيها".

وقال الغامدي: "إلى جانب ذلك، تخلق النباتات والأشجار الجديدة مزايا أخرى ترتبط بالأعمال، كحجز الكربون، والحد من تطاير التربة باتجاه المعمل، وتوفير بيئة جذابة للموظفين".

التخطيط برويَّة لإعادة الحياة

ويمثِّل التخطيط عاملًا رئيسًا لاستعادة التنوع الحيوي بنجاح. ولتحقيق الاستدامة، فإن الحياة النباتية والحيوانية، التي أُعيدت إلى مواطنها الطبيعية، تحتاج إلى العيش بانسجام مع التوازن الطبيعي في المنطقة.

لذلك، قامت إدارة معمل الغاز في حرض بزراعة الأشجار المناسبة، وفي الوقت الملائم. وقد اُختيرت الأشجار المناسبة بحذر شديد، وتضمَّن ذلك استشارة المختصين بالزراعة حول الاختيار الأمثل لأنواع الأشجار، التي يمكنها أن تعيش لتكوِّن النظام البيئي المرغوب فيه.

وبعد مراجعة مُطوَّلة لمئات الأنواع من النباتات، وقع الاختيار على 16 نوعًا من الأشجار التي اُختيرت بحذر، وهي: السلم، والسمر، والعراد، والسنط، وسنط سيال، والهجليج المصري، والخروب، والسنط الأبيض، والمرو سميك الأوراق، والأثل عديم الأوراق، والأثل الطرفاوي، والأثل كبير الثمار، والسدر، والحناء، والأراك.

متنوع حيويًا.. وصديق للبيئة

وقد اعتُمدت منهجية صديقة للبيئة في منطقة التنوع الحيوي في حرض، حيث صُنعت مواقف السيارات ومساراتها من مكونات عضوية من السطح الصخري الطبيعي للمنطقة.

ولأن الماء نبض الحياة، تم التأكد من تجهيز حوض مياه الصرف الصحي في المنطقة البيئية، من خلال مضختين تتزوَّدان بالطاقة عبر 36 لوحًا من ألواح الطاقة الشمسية لكلِّ واحدة منهما، ليحافظ الماء على الحياة النباتية من خلال أنابيب الري المطمورة. ولحماية الكائنات الليلية، تم تقليص التلوث الضوئي من خلال قصر الإضاءة على المحيط الخارجي للمنطقة، التي تُضاء بواسطة الطاقة الشمسية. وعلى الرغم من حداثة منطقة التنوع الحيوي في حرض، التي تبلغ من العمر 18 شهرًا، إلا أنها تُظهر سريعًا موهبة الطبيعة في استعادة الحياة.

وقد أثَّر فقدان الموائل، ووجود مصادر الإزعاج، والرعي الجائر، على مناطق عديدة في المملكة. وتُعد مناطق التنوع الحيوي لأرامكو السعودية من بين أكثر المناطق ازدهارًا بالحياة في المملكة. وقد حُدِّدت عشر مناطق لتكون رسميًا "مناطق لحماية التنوع الحيوي في أرامكو السعودية"، وتبلغ مساحتها 977 كيلومترًا مربعًا.

أفضل الأشجار .. أكثرها اخضرارًا

للصحراء نظام بيئي غني؛ ولحماية البيئة فيها، تمثَّلت الخطوة الأولى لحرض في السيطرة على القيادة خارج الطرق المعبَّدة، والتخلُّص من النفايات. ويقول المنسق البيئي في معمل الغاز في حرض، علوي السيد، إن هناك طرقًا سهلة يمكن من خلالها للأفراد أن يسهموا في بيئة أكثر اخضرارًا، مشيرًا إلى أن المحافظة على التنوع الحيوي والحيوانات المحيطة بنا، ستجعل حياتنا غنية بالأطعمة المتنوعة، وتُحدث توازنًا جيدًا في الحياة.

ويحثُّ السيد على تجنُّب القيادة خارج الطرق المعبَّدة، قائلًا إن ذلك يضرُّ بالتنوع الحيوي عبر تدمير موائل الطيور والحشرات، التي تمثِّل نظامًا بيئيًا كاملًا. وحول زراعة البيئة المحيطة بنا، يقول السيد: "أفضل أمر هو أن نبادر إلى زراعة الأشجار أينما أمكننا ذلك؛ يمكن أن نبدأ بالزراعة في حدائقنا وشوارعنا، إذا كان ذلك مُتاحًا، وداخل بيوتنا أيضًا".

حفظ كلِّ قطرة ماء

ويعمل المنسق البيئي لمعمل الغاز في حرض، عبدالرحمن لشكر، ضمن الفريق الذي يسعى لاستعادة الحياة في المنطقة البيئة الجديدة هناك. ويقول لشكر، الذي تخرَّج من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، والتحق بالشركة في عام 1998م:

"إنه لأمر مبهج للغاية؛ أن ترى منطقة أرامكو السعودية للتنوع الحيوي في حرض تعود إلى الحياة. ستواصل أُسرتي العيش في هذا العالم، وأشعر أنني أسهمت في إرث إنعاش الحياة في بُقعة من هذا الكوكب".

ويضيف لشكر: "تخيَّل الأثر الذي يمكن أن يحدث لو قام كل منا بزراعة ثلاث أشجار حول منزله". وفي عام 2013م، أرسلت الشركة لشكر ليدرس العلوم البيئية في أسكتلندا. يقول لشكر: "الطاقة هي عصب الحياة العصرية، وأرامكو السعودية تعمل للمحافظة على الموارد للأجيال المستقبلية”.

لوطن أكثر اخضرارًا

  • ازرع شجرة.
  • تجنَّب الصيد الجائر.
  • لا تقطع الأشجار إطلاقًا.
  • لا تقُد مركبتك خارج الطرق المعبَّدة.

الهدايا الخضراء تشجِّع على حماية البيئة 

تعاون القائمون على معمل الغاز في حرض مع إدارة حماية البيئة لاستضافة ورشة عمل بيئية على مستوى الشركة، نُظمت على مدار ساعتين عبر وسائل التواصل الإلكترونية، خلال الفترة التي سبقت اليوم الوطني السعودي. وخلال افتتاح حملة (هديةٌ لوطن أكثر اخضرارًا)، قال مدير إدارة معمل الغاز في حرض بالوكالة، الأستاذ فهد الدوسري، إن إحداث أثر ملموس على البيئة يتمحور حول الحد من الآثار السلبية.

وقال الدوسري: "بالنسبة لنا كشركة، يعني ذلك فتح آفاق المعرفة والابتكار والحلول الهندسية، التي تعزِّز كفاءة استهلاك الطاقة لدينا، مع الحد في الوقت نفسه من الآثار البيئية لأعمالنا".

وتابع الدوسري قائلًا: "هذا يعني الحد من كمية الطاقة التي نستخدمها، وبالتالي الحدَّ من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري وانبعاثات المداخن، وتحسين البصمة الكربونية، بالإضافة إلى الإدارة المثلى لاستخدام المياه الجوفية في أعمالنا، ووضع خطط ترشيد استهلاك المياه موضع التنفيذ، وتحقيق الاستفادة المثلى من إعادة استخدام مياه الصرف". وأضاف الدوسري: "نفخر بمنطقة أرامكو السعودية للتنوع الحيوي في حرض، فهي أقلُّ ما يمكننا القيام به كمبادرة تُسهم في وطن أكثر اخضرارًا.

حلول مقتصدة التكلفة من الطبيعة

وبوصفها إحدى كبرى شركات الطاقة في العالم، تحرص أرامكو السعودية على إدارة الانبعاثات الناجمة عن أعمالها والحدِّ من آثارها. وخلال ورشة العمل، قدَّم المستشار البيئي في إدارة حماية البيئة، رونالد لفلان، عرضًا تناول فيه المبادرات البيئية الحالية والمستقبلية للشركة في إطار المحافظة على الطبيعة، مثل إعادة التشجير. وقال لفلاند: "الحلول القائمة على الطبيعة تمثِّل أحد أكثر الخيارات اقتصادًا من حيث التكلفة لتدارك آثار الانبعاثات، بالإضافة إلى ما يرافقها من فوائد، مثل حماية التنوع الحيوي، وتوفير المياه، وإنشاء المسطحات الخضراء، والنهوض بالمجتمعات".

من جانبها، ناقشت عالمة البيئة، سارة الصيدلاني، من إدارة حماية البيئة، واقع أزمة التنوع الحيوي في المملكة، ومبادرات الشركة للتنوع الحيوي البري. وسلَّطت سارة الضوء على البيئة الطبيعية عالية الجودة ضمن نطاق أراضي الشركة، وأهمية التنوع الحيوي وسبل حمايته، كما أشارت إلى أن حماية التنوع الحيوي اكتسبت زخمًا أكبر في الشركة.

Photo

You are currently using an older browser. Please note that using a more modern browser such as Microsoft Edge might improve the user experience. Download Microsoft Edge